فصل: تفسير الآية رقم (94):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (93):

{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)}
وحين يحرم نبي الله يعقوب- إسرائيل- طعاما ما، فهو حر؛ فقد يحرم على نفسه طعاما كنذر، أو كوسيلة علاج أو زهادة، لكن الله لم يحرم عليه شيئا، وما تحتجون به أيها اليهود إنما هو خصوصية لسيدنا يعقوب {كُلُّ الطعام كَانَ حِلاًّ لبني إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ} فلماذا تقولون: إن الإبل وألبانها كانت محرمة؟
لقد فعلوا ذلك لأنهم أرادوا أن يستروا على أنفسهم نقيصة لا يحبون أن يُفضحوا بها، وتلك هي النقيصة التي كشفها القرآن بالقول الكريم: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146].
إذن فهناك أشياء قد حُرمت على اليهود لأنهم ظلموا، وهذه الآية الكريمة هي التي أوضحت أن الحق قد حرم عليهم هذه الأطعمة لظلمهم. ومعنى: {كُلَّ ذِي ظُفُر} أي القدم التي تكون اصابعها مندمجة ومتصلة، فليست الأصابع منفصلة، ونجدها في الإبل والنعام والأوز، والبط، وهذه كلها تسمى ذوات الظفر {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} يعني الشحم الذي على الظهر. أما (الحوايا) فهي الدهون التي في الأمعاء الغليظة {أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ}. أي الشحم الذي يختلط بالعظم إن التحريم هنا لم يكن لأن هذه الأشياء ضارة، ولكن التحريم إنما كان عقابا لهم على ظلمهم لأنفسهم وبغيهم على غيرهم.
وأقول ذلك حتى لا يقول كل راغب في الانفلات من حكم الله ما الضرر في تحريم الأمر الفلاني؟ إن محاولة البحث عن الضرر فيما حرمه الله هي رغبة في الانفلات عن حكم الله. فالتحريم قد يأتي أدبا وتأديبا، ونحن على المستوى البشرى- ولله المثل الأعلى- يمنع الإنسان منا (المصروف) عن ابنه تأديبا، أو يمنع عنه الحلوى، لأن الابن خرج عن طاعة أمه، إذن كان التحريم جزاءً لهم وعقابا قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء: 160-161].
وذلك هو الجزاء الذي أراده الله عليهم.
إن التشريع السماوي حينما يأتي لظالم يخرج عن منهج الله فكأنه يقول له ما هو القصد من خروجه عن منهج الله؟ لماذا يظلم؟ لماذا يأخذ الربا؟ لماذا يصد عن سبيل الله؟ لماذا يأكل أموال الناس بالباطل؟ إن الظالم يفعل ذلك حتى يمتع نفسه بشيء أكثر من حقه، لذلك يأتي التشريع السماوي ليفوت عليه حظ المتعة، وكان هذا الحظ من المتعة حقا وحلاًّ له، لكن التشريع يحرمه.
ومثال ذلك القاتل يحرم من ميراث من يقتله؟ لأن القاتل استعجل ما أخره الله وأراد أن يجعل لنفسه المتعة بالميراث، فارتكب جريمة قتل، لذلك يأتي التشريع ليحرمة من الميراث.
كأن التشريع يقول له: (ما دامت نيتك هكذا فأنت محروم من الميراث) والتشريع حين وضع ذلك إنما حمى كل مورث وإلا لكان كل مورث عرضة لتعدى ورثته عليه بالقتل لينتقل إليهم ما يملك، فقال: لا. نحرمة من الميراث وكذلك هنا نجد الظلم بأنواعه المختلفة، الظلم بإنكار الحق والصد عن سبيل الله، وأخذ الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وما دام اليهود قد أدخلوا على أنفسهم أشياء ليست لهم فالتشريع يسلب منهم أشياء كانت حقا لهم.
وكان اليهود في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبون ألا يُشاع عنهم هذا الأمر فقالوا: إن هذا الطعام محرم على بني إسرائيل. وبعد ذلك وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا اللون من الطعام حلال في التوراة، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي فضحهم.
ولماذا تجيء هذه الآية بعد قوله الحق في الآية السابقة: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}؟ ونحن نعرف أن آية {لَن تَنَالُواْ البر} قد جاءت بعد آية توضح النفقة غير المقبولة من الله. ولنذكر ما قلناه أولا، عن تداعي المعاني في الملكات الإنسانية: إن في النفس الإنسانية ملكة تستقبل، فتتحرك ملكة أخرى، وحين يقول الحق: {كُلُّ الطعام كَانَ حِلاًّ لبني إِسْرَائِيلَ} فالذين يسمعون هذا سينفعلون انفعالات مختلفة، فالشبعان من الناس لن يلتفت إلى هذه المسألة بانتباه بالغ، ومن عنده بعض الطعام فإن نفسه قد تتحرك إلى ألوان أخرى من الطعام، أما من ليس عنده طعام فلسوف يلتفت بانتباه شديد ليتعرف على الحلال من الطعام والحرام منه.
إذن فقبل أن يأتي الله بالحكم الذي يحلل ويحرم، هذا الحكم الذي يثير عند الجائع شجن الافتقار وشجن ذكر الطعام الذي يسيل له لعابه، إن الحق قبل أن يحرك معدما على غير موجود معه، فإنه يحرك معطيا على موجود معه، لذلك فقبل أن يأتي الحق سبحانه ويذكر الطعام، وقبل أن يُقلب الأمر على النفس الإنسانية التي لا تجد طعاما، نجد الرسول قد نطق قبلها بما أنزله عليه الحق {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}. فبتداعي المعاني في النفس الإنسانية يكون سبحانه قد حرك ملكة واجدة ومالكة قبل أن يحرك ملكة معدمة. وهكذا يكون التوازن الذي أراده الله في الكون المخلوق له.
إنه رب يحكم كونه، فلا ينسى شيئا ويذكر شيئا. {لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} إن كل شيء في علمه كما قَدّره وهو الخلاق القدير العليم، وهو لا يذكر بعضا من الخلق، وينسى بعضا آخر، فهو قد كتب العدم لحكمة، وأعطى النعمة لحكمة.
لقد جعل الفقير عبرة، ولكنه لم يتركه، وذلك حتى يرى كل إنسان أن القدرة على الكسب ليست إلا عرضا زائلا، فمن الممكن أن يصبح القادر الآن عاجزا بعد دقائق أو ساعات، ومن الممكن أن يصبح القوي ضعيفا، فإذا ما علم القوى أو القادر ذلك فإنه يتحرك إلى إعطاء الآخرين؛ حتى يضمن لنفسه التأمين الإلهي لو صار ضعيفا، فيعطيه الأقوياء، فعندما يأمر الله الأقوياء بأن يعطوا وينفقوا فإن عليهم إن يستجيبوا؛ لأن الواحد منهم لو صار ضعيفا فسوف يأخذ.
إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} هذا القول قد خدم قضية سبقتها، وهي أنه لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به، ما دام كافرا، إنها نفقة مرفوضة لا اعتبار لها، إنها هدر. ويأتي من بعد ذلك بتحديد النفقة التي ليست هدرا، ثم يفضح اليهود بقضية توجد عندهم في التوراة ولكنهم كذبوها، وهي قضية تتعرض للطعام، وما دامت القضية تتعرض للطعام فهناك الكثير من الملكات التي يمكن أن تتحرك، فملكات الواجد حين تتحرك فحركتها تكون بأسلوب غير الأسلوب الذي تتحرك به ملكات المعدم. فقيل أن يُحَرِك وجدان المعدم إلى أنه معدم، حتى لا يتلقى ذلك بحسرة، فإنه سبحانه يكون قد عمل رصيدا لهذا المعدم، فيرقق قلب الواجد أولا {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} وبعد ذلك يأتي قوله الحق سبحانه: {كُلُّ الطعام كَانَ حِلاًّ لبني إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التوراة قُلْ فَأْتُواْ بالتوراة فاتلوها إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93].
ومعنى كلمة (حل) هو (حلال)، ويقابلها (حرام) وحل هي مصدر، وما دامت مصدرا فلا نقول (هذان حلالان) بل نقول: (هذان حل)، ونقول: (هؤلاء حل) وإن شئت فاقرأ قوله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ فامتحنوهن الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].
(لا هن) هذه لجماعة النساء، والحل مفرد، وعندما يقول الحق سبحانه: {كُلُّ الطعام كَانَ حِلاًّ لبني إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ} فهذا يعني أنه قد حرم بعضا من الطعام على نفسه فهو حر في أن يأخذ أو يترك، أوأنه قد حرمه على نفسه فوافقة الله؛ لأن الناذر حين ينذر شيئا لم يفرضه الله عليه فهو قد ألزم نفسه بالنذر أمام الله.
إن الزمن الذي حرم فيه إسرائيل على نفسه بعضا من الأطعمة هو {مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التوراة} أي أن هذا التحريم لم يحرمه الله، ويأتي الأمر لرسوله الكريم أن يخاطب بني إسرائيل: {قُلْ فَأْتُواْ بالتوراة فاتلوها إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إنه قد كشف سترهم، وعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن النص الذي يؤيد صدقه موجود في التوراة، ولهذا لم يأت اليهود بالتوراة، وذلك لعلمهم أن فيها نصا صريحا يصدق ما جاء به رسول الله، ولا يحتمل اللجاجة، أو المجادلة، وما داموا لم يحضروا التوراة فهذا يعني أنهم غير صادقين. ويقول الحق: {فَمَنِ افترى عَلَى الله الكذب...}.

.تفسير الآية رقم (94):

{فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)}
إن في هذا القول التحذير الواضح ألا يختلق أحد على الله شيئا لم ينزل به رسول أو كتاب فمن يفتري الكذب على الله لا يظلم إلا نفسه. ويقول الحق بعد ذلك: {قُلْ صَدَقَ الله فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً...}.

.تفسير الآية رقم (95):

{قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}
يأمر الحق رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: {قُلْ صَدَقَ الله فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}.
ونعرف أن ملة إبراهيم هي التي سمّت كل المؤمنين بالله المسلمين، والدعوة إلى الإيمان بملة إبراهيم هي لإيضاح أن جوهر الإيمان لا يحتمل الخلاف، فركب الإيمان والرسل والأنبياء هو ركب واحد، وكلمة (اتبعوا) تعني أن هناك مقدما كما أن هناك تابعا. و(الملة) تشمل المعتقدات والتشريعات العامة، كما أن الشريعة تشمل الأحكام، والدين يكون لبيان العقائد.
وقد عرفنا من قبل أن كلمة {حَنِيفاً} تعني الذي يسير على خط مستقيم، ويتبع منهجا قويما ومستويا ونحن نسمى ملتنا (الحنيفية السمحاء) ومع ذلك فالحنف هل ميل في الساقين، اليمين مقوسة إلى اليمين، واليسار مقوسة إلى اليسار، فكيف إذن نقول عن الدين الحق الهادي لمنهج الله وشريعته: إنه حنيف؟
لقد قلنا: إن السماء لا تتدخل بإرسال الرسل إلا حين يعم الفساد، وما دام الفساد قد عم فإن الذي يميل منحرفا عن الفساد هو الذي اهتدى إلى الصراط المستقيم، فالحنيف معناه مائل عن الفساد، فالمائل عن المعوج معتدل، {قُلْ صَدَقَ الله فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين}.
{صَدَقَ الله} نعم؛ لأن الصدق هو أن يطابق القول ما وقع فعلا، وحين يتكلم الحق وهو العليم أزلا فما الذي يحدث؟ لابد أن يوافق الواقع ما يقوله سبحانه وتعالى فليس من المعقول أن يتكلم الله كلاما يأتي على لسان رسول، أو على لسان أتباع الرسول، وبعد ذلك يأتي واقع الحياة فينقض قول الحق ويخالفه، إن الحق العليم أزلا يُنزل من الكلام ما هو في صالح الدعوة إلى منهجه.
إذن فحين يطلق الله قضية من قضايا الإيمان فإنه سبحانه عليم أزلا أنها سوف تحدث على وفق ما قال، إن كان الظرف الذي قيلت فيه لا يشجع على استيعابها وفهمها. إن المؤمنين كانوا في أول الأمر مضطهدين، ومرهقين وإن لم يكن للواحد منهم عشيرة تحميه فإنه يهاجر عن البلاد، وإن لم يستطع الهجرة فإنه يُعَذب ويضطهد. وفي هذه الفترة الشديدة القاسية وفي قمة اضطهاد المؤمنين ينزل القول الحق: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} [القمر: 45].
وعندما يسمع سيدنا عمر عليه رضوان الله هذا القول يتساءل: أي جمع هذا؟ إن الواقع لا يساعد على هذا، ثم جاءت بدر، وهزم المؤمنون الجمعَ وولوا الدبر وهذا دليل على أن الله قد أطلق قضية وضمن أنها ستحدث كما قال وكما أخبر، وهذا مطلق الصدق. إن الإنسان يمكنه أن يستبعد الصدق لو أن الذي قال غير الذي خلق، لكن الذي قال ذلك هو الذي خلق ويخلق ويعلم، فمن أين يأتي التناقض؟ وهذا معنى القول الكريم: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً} [النساء: 82].
إنه قول حق جاء من عند العليم أزلا، ومن العجيب أن أهل الكتاب من يهود ونصارى يتمسحون في سيدنا إبراهيم، فقال بعضهم: إن إبراهيم عليه السلام كان يهوديا، وبعضهم قال: إن إبراهيم كان نصرانيا. وكان يجب أن يفهموا أن اليهودية والنصرانية إنما جاءتا من بعد إبراهيم، فكيف يكون يهوديا أو نصرانيا وهذه الملل قد جاءت من بعده؟ لذلك جاء القرآن الكريم قائلا: {ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 65].
وقد أوضح الحق بعد ذلك دين إبراهيم عليه السلام: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} [آل عمران: 67].
فكيف يمكن أن يختلقوا على إبراهيم أنه كان يهوديا أو نصرانيا؟ إنه كلام لا يصدر إلا عن قلة فطنة وغفلة بالغة. وعندما يقول الحق عن إبراهيم: {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} فهل أهل الكتاب مشركون؟ نعم؛ لأنهم حين يؤمنون بالبنوة لعزير، ويؤمنون بالنبوة لعيسى فهذا إشراك بالله، وأيضا كان العرب عبدة الأصنام يقولون: إنهم على ملة إبراهيم؛ لأن شعائر الحج جاء بها إبراهيم عليه السلام، ولهذا ينزه الحق سبحانه سيدنا إبراهيم عن ذلك، ويقول: {قُلْ صَدَقَ الله فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} وذلك يدل على أن ملة إبراهيم وما جاء به موافقة لملة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وإجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام. ثم يقول الحق سبحانه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}